السعدان : إنا كنا كفارا ، وما طمعوا منها بتمرة إلا بشراء أو بقرى ، فإذ أكرمنا الله بك ، فلا نعطيهم إلا السيف ، وشقّا الصحيفة التي كانت كتبت (١).
ودلت آية : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) على حكم من أحكام الصلح ، وهو أنهم إن صالحوا على سبيل المخادعة ، وجب قبول ذلك الصلح ؛ لأن الحكم يبنى على الظاهر ، كما يبنى الإيمان على الظاهر.
وأرشدت آية (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) إلى أن تألف القلوب الشديدة في العرب من آيات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعجزاته ؛ لأن أحدهم كان يلطم اللطمة ، فيقاتل عنها حتى يستقيدها ، وكانوا أشد خلق الله حميّة ، فألف الله بالإيمان بينهم ، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدّين.
والله تعالى أيّد نبيه بمناسبة الصلح مع المشركين في حالين : خاصة وعامة ، وليس ذلك من قبيل التكرار ، ففي الآية الأولى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) كفاية خاصة ، وهي حال الخديعة ، أي وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء. وفي الآية الثانية: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) كفاية عامة أي حسبك الله وكافيك وناصرك في كل حال.
واستدل أهل السنة بقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) على أن أحوال القلوب والعقائد والإرادات والكرامات ، كلها من خلق الله تعالى ، بسبب الإيمان ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسّلام (٢).
ودلت هذه الآية أيضا على أن العرب كانوا قبل الإسلام في خصومة دائمة ومحاربة شديدة ، يقتل بعضهم بعضا ، ويغير بعضهم على بعض ، فلما آمنوا بالله
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي : ٢ / ٨٦٥
(٢) تفسير الرازي : ١٥ / ١٨٩