وإن كان لهم مصلحة في الصلح ، لنفع يجتلبونه ، أو ضرر يدفعونه فلا بأس بالصلح. (١)
وقد نقلت سابقا عن ابن كثير ترجيحه أن الآية غير منسوخة وغير مخصصة ، ولا منافاة بينها وبين أوامر القتال ، فهذه الأوامر عند الاستطاعة ، والصلح عند العجز وقوة العدو وعدم التكافؤ بين قوتنا وقوته. وكذلك قال الجصاص : قد كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عاهد حين قدم المدينة أصنافا من المشركين منهم النضير وبنو قينقاع وقريظة ، وعاهد قبائل من المشركين ، ثم كانت بينه وبين قريش هدنة الحديبية إلى أن نقضت قريش ذلك العهد بقتالها خزاعة حلفاء النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يختلف نقلة السير والمغازي في ذلك ، وذلك قبل أن يكثر المسلمون. فلما كثر المسلمون لم يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف بقوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ويقاتل أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ). وما ذكر من الأمر بالمسالمة إذا مال المشركون إليها حكم ثابت أيضا.
وعقد الصلح جائز غير لازم للمسلمين باتفاق العلماء ، فيجوز نبذه إذا ظهرت أمارات الخيانة والنقض والغدر.
ويجوز ـ كما ذكر ابن العربي ـ عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال ، يبذلونه للعدو ، بدليل موادعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب ، على أن يعطيه نصف تمر المدينة ، فقال له السعدان : إن كان هذا الأمر من قبل الله فامض له ، وإن كان أمرا لم تؤمر به ، ولك فيه هوى ، فسمع وطاعة ، وإن كان الرأي والمكيدة ، فأعلمنا به ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنما هو الرأي والمكيدة ؛ لأني رأيت العرب قد رمتكم بقوس واحدة ، فأردت أن أدفعها عنكم إلى يوم. فقال
__________________
(١) أحكام القرآن : ٣ / ٦٩