يعرضها على آدم ، فلم يطقنها ، فقال لآدم : إني قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال ، فلم يطقنها ، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال : يا رب ، وما فيها؟ قال : إن أحسنت جزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فأخذها آدم فتحملها ، فذلك قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً). والمراد جنس الإنسان بحسب الأغلب.
فالأمانة تشمل الطاعات والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب ، وبتضييعها العقاب ، وتشمل أمانة الأموال كالودائع وغيرها مما لا بيّنة عليه ، وغسل الجنابة أمانة ، والفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واللسان أمانة ، والبطن أمانة ، واليد أمانة ، والرّجل أمانة.
وقد حملها الإنسان بسبب جهله بما فيها ، وعلم هذه الأجرام ، وهو مع ذلك يتأثر بالانفعالات النفسية وبالشهوات الذاتية ، ولا يتدبر عواقب الأمور ، وكانت هذه التكاليف وسيلة للحد من سلطان الشهوة ، وتأثير النوازع ، والقوى الداخلية في نفسه.
ثم بيّن الله تعالى نتائج تلك التكاليف بين المكلفين ، فقال :
(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ ، وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي إن عاقبة حمل الإنسان لهذه الأمانة وهي التكاليف أن ينقسم الناس فريقين : فريق المنافقين والمنافقات (وهم الذين يظهرون الإيمان خوفا من أهله ويبطنون الكفر متابعة لأهله) والمشركين والمشركات (وهم الذين ظاهرهم وباطنهم على الشرك بالله ومخالفة الرسل) الذين يعذبهم الله لخيانتهم الأمانة ، وتكذيب الرسل ، ونقض الميثاق ، وفريق المؤمنين والمؤمنات (وهم الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، العاملين بطاعته)