(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي إن في النظر إلى خلق السموات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجّاع إلى الله ، على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقوع المعاد ؛ لأن من قدر على خلق هذه السموات في ارتفاعها واتساعها ، وهذه الأرض في انخفاضها وطولها وعرضها ، قادر على إعادة الأجسام كما كانت ، كما قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر ٤٠ / ٥٧] ، وقال سبحانه : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى) [يس ٣٦ / ٨١].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يلي :
١ ـ لم يكتف المشركون بإعلان إنكارهم البعث والقيامة ، وإنما تغالوا في ذلك فأخذوا يقولون قولا يقصد به الطعن بمحمد صلىاللهعليهوسلم والتعجب منه والهزء والسخرية من إخباره بالبعث ، وجعلوا ذلك أداة ضحك وتلهي ، واستغربوا أن الناس إذا فرقوا كل تفريق في أجزاء التراب ، كيف يمكن إعادة الحياة لهم؟!
٢ ـ وقال المشركون : إن محمدا في إخباره بالبعث لا يخلو إما أن يكون كاذبا مفتريا على الله ، وإما أنه مجنون.
٣ ـ ردّ الله عليهم ردّا يثبت عليهم ما هو أشنع من التهمتين السابقتين : وهو أنهم بسبب إنكارهم البعث واقعون في الآخرة في العذاب الشديد ، واليوم في الضلال البعيد عن الصواب ، حين صاروا إلى تعجيز الإله ، ونسبة الافتراء إلى من أيّده الله بالمعجزات.
٤ ـ ثم أقام الله تعالى عليهم الدليل على صحة البعث ، فأعلمهم أن الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث ، وعلى تعجيل العقوبة لهم ، ومنها الخسف والكسف ، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة.