(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي إن حاله لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون قد تعمّد الافتراء على الله كذبا أنه قد أوحى إليه ذلك ، أي أنه كاذب فيما قاله ، أو أن به جنونا جعله لا يعقل ما يقول ، ويتوهم البعث ويتخيله.
فردّ الله عليهم بإثبات ما هو أخطر وأشنع من الأمرين فقال :
(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أي ليس الأمر كما زعموا ، ولا كما ذهبوا إليه ، بل إن محمدا صلىاللهعليهوسلم هو الصادق الرشيد الذي جاء بالحق ، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء المنكرون للآخرة ، الذين كفروا ، فصاروا بسبب ذلك في العذاب الدائم في الآخرة ، وهم اليوم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق غاية البعد.
ثم نبههم تعالى على قدرته في خلق السموات والأرض ، فهو القادر على البعث ، فقال:
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي وبخهم لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض ، فقال لهم : أفلم ينظروا خلفهم وأمامهم إلى العجائب الدالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته ، فإنهم يرون السماء ناطقة بوجود القادر ، والأرض كذلك تنطق بمثل ما تشير به السماء من الدلالة ، فلو نظروا إليهما لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم ، فإن نرد نخسف بهم الأرض ، كما خسفنا بقارون ، أو نسقط عليهم قطعا من السماء ، كما أسقطنا على أصحاب الأيكة.
والمراد : لو شئنا لفعلنا بهم ذلك بظلمهم وقدرتنا عليهم ، ولكن نؤخر العقاب عنهم لحلمنا وعفونا.