وأما سد مأرب : فكأن الماء يأتيهم من بين جبلين ، وتجتمع إليه أيضا سيول أمطارهم وأوديتهم ، فعمد ملوكهم الأقادم ، فبنوا بينهما سدا عظيما محكما ، حتى ارتفع الماء ، وبلغ حافة الجبلين ، فغرسوا الأشجار ، واستغلوا الثمار.
وكان هذا السد بمأرب : بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل ، ويعرف بسد مأرب. وقد جدد بناؤه عام ١٩٨٧ م.
التفسير والبيان :
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ (١) فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ، وَاشْكُرُوا لَهُ ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) كان لقبيلة سبأ باليمن التي كان منها ملوك اليمن في مسكنهم : مأرب آية هي بستانان عن يمين واديهم وشماله ، وكانت مساكنهم في الوادي ، وفي البستانين جميع الثمار ، فقيل لهم : كلوا من رزق ربكم ، أي من ثمار الجنتين ، والقائل لهم نبيهم ، أو القول بلسان الحال أو الدلالة ؛ لأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك. وقيل لهم أيضا : واشكروا ربكم على ما رزقكم من هذه النعم ، ووحدوه واعبدوه ، واعتدال هوائها ، وصحة مناخها ، والله المنعم عليكم بهذه النعم رب غفور لذنوبكم إن استمررتم على التوحيد والطاعة.
(فَأَعْرَضُوا ، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ، وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ، وَأَثْلٍ ، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) أي فأعرضوا عن توحيد الله ، وعبادته وطاعته ، وشكره على ما أنعم به عليهم ، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله ، كما حكى القرآن عن قول الهدهد لسليمان عليهالسلام : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَها عَرْشٌ
__________________
(١) منصرف على أنه اسم حي ، وهو في الأصل اسم رجل ، كما تقدم بيانه.