وهؤلاء الشفعاء المأذون لهم لا يشفعون إلا لمن يستحق الشفاعة ، لا للكافرين ، كما قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ٢ / ٢٥٥] وقال سبحانه : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم ٥٣ / ٢٦] وقال عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٢٨] وقال عز اسمه : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ ٧٨ / ٣٨].
ومفاد هذه الآيات : أن الشفاعة تحتاج إلى إذن الله تعالى ، ولا شفاعة إلا لمن ارتضى الله ، وأن تكون أسباب الشفاعة حقا وصوابا مقبولا ، لهذا ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو سيد ولد آدم ، وأكبر شفيع عند الله تعالى حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم حينما يأتي ربهم لفصل القضاء ، أنه قال : «فأسجد لله تعالى ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن ، ثم يقال : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، وسل تعطه ، واشفع تشفع».
وفي هذا الموقف الرهيب يتجلى مقام رفيع من العظمة الإلهية ، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي ، فسمع أهل السموات كلامه ، أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي ، كما قال ابن مسعود رضياللهعنه ومسروق وغيرهما.
وهنا ذكر الله تعالى ما يحدث بعد انتظار الإذن بالشفاعة ، فقال :
(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : الْحَقَّ ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أي إن الناس والملائكة يقفون فزعين خائفين منتظرين الإذن بالشفاعة ، حتى إذا أذن للشافعين ، وأزيل الخوف والفزع عنهم ، قال بعضهم لبعض : ما ذا قال ربكم في الشفاعة؟ قالوا للذي قال : قال ربنا القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ، والله هو المتفرد بالعلو والكبرياء والعظمة ،