(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : إن أحد الفريقين منا ، سواء معشر المؤمنين الموحدين الله الخالق الرازق ، الذين يخصونه بالعبادة ، أو المشركين الذين يعبدون الجمادات العاجزة عن الخلق والرزق والنفع والضرر ، لعلى أحد الأمرين من الهدى أو في الضلال البيّن الوضح ، فلا سبيل إلى تصويب كل منا ، فإما أن نكون نحن أو أنتم على الهدى أو على الضلال ، بل واحد منا مصيب ، والآخر مخطئ مبطل. وهذا أسلوب فيه لطف وأدب ، لاستدراج الخصم إلى أن ينظر في حاله وحال غيره ، ويستعمله العرب لإعطاء الحرية للمخاطب بأن يتأمل ويعلن عن قناعة أنه مخطئ وغيره مصيب ، كما يقول الرجل لصاحبه : قد علم الله الصادق مني ومنك ، وإن أحدنا لكاذب.
ويلاحظ أنه ذكر كلمة «على» مع الهدى ، وكلمة «في» مع الضلال ؛ لأن المهتدي كأنه مرتفع متطلع ، والضال منغمس في الظلمة غريق فيها. ووصف الضلال بالمبين ، ولم يصف الهدى ؛ لأن الهدى هو الطريق المستقيم الموصل إلى الحق ، والمستقيم واحد ، وغيره كله ضلال ، بعضه أبين من بعض. وقدم الهدى على الضلال لمناسبته لوصف المؤمنين المبدوء بكلمة (إِنَّا) المقدم في الذكر.
ثم أعلن الله تعالى وجود الانفصال بين الفريقين واستقلال كل منهما عن الآخر بطريق التلطف مرة أخرى بنسبة الاجرام فرضا إلى المؤمنين والعمل للمشركين فقال : (قُلْ : لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ، وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي قل أيها الرسول أيضا للمشركين : إن كانت عبادتنا لله وطاعتنا له جريمة ، فلستم مسئولين عنا ، ولا نسأل عما تعملون من خير أو شر. وهذا معناه التبري منهم ، فلستم منا ولا نحن منكم ، بل ندعوكم إلى توحيد الله وإفراد العبادة له ، فإن أجبتم فأنتم منا ، ونحن منكم ، وإن أعرضتم وكذبتم فنحن برآء منكم ، وأنتم برآء منا ، كما قال الله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ : لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس ١٠ / ٤١]. وقد أضاف الاجرام إلى النفس :