قال الرازي : ذكر الأصول الثلاثة في هذه الآية بعد ما سبق منه تقريرها بالدلائل ، فقوله: (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) إشارة إلى التوحيد ، وقوله : (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ) إشارة إلى الرسالة ، وقوله : (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) إشارة إلى اليوم الآخر.
ولما نفى تعالى عن النبي صلىاللهعليهوسلم الجنون المستلزم كونه نبيا ، ذكر سببا آخر يلزم منه أنه نبي: وهو عناؤه الشديد في دعوته لا لغرض دنيوي عاجل ، وإنما بقصد الثواب الأخروي ، فقال :
(قُلْ : ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي قل أيها الرسول للمشركين : لا أريد منكم أجرا ولا عطاء على أداء رسالة الله عزوجل إليكم ، ونصحي لكم ، وأمري بعبادته تعالى ، إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله تعالى ، والله عالم بجميع الأمور ، من صدقي في تبليغ الرسالة ، وما أنتم عليه.
ثم صرح تعالى بأن ما جاء به هذا الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما هو وحي من عند الله ، فقال : (قُلْ : إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي قل للمشركين : إن الله يرسل الملك بالوحي إلى من يشاء من عباده ، فمن يصطفيهم لرسالته ، وهو علام الغيوب ، فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.
وهذا كما قال تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [غافر ٤٠ / ١٥] وقال سبحانه : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام ٦ / ١٢٤].
وبعد أن ذكر الله تعالى أنه يقذف بالحق بصيغة الاستقبال ، أخبر أن ذلك الحق قد جاء فقال :