حينئذ : آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله وآمنا بالقرآن والنبي صلىاللهعليهوسلم ، وكيف لهم تعاطي الإيمان ، وقد بعدوا عن محل قبوله ؛ لأن الدار الآخرة وهي دار الجزاء ليست بدار التكليف أو دار الابتلاء ، وإنما الدنيا هي مدار التكاليف من الإيمان والعمل الصالح. أو كيف يقدرون على الظفر بالمطلوب ، والإيمان لا يكون إلا في الدنيا ، وهم في الآخرة ، والدنيا من الآخرة بعيدة؟!
(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ، وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة ، وقد كفروا بالحق في الدنيا ، وكذبوا الرسل؟ وكانوا يرجمون بالظن ويتكلمون بما لا مستند لهم فيه ، فتارة يقولون في الرسول صلىاللهعليهوسلم : شاعر ، أو كاهن ، أو ساحر ، أو مجنون ونحو ذلك من الأباطيل ، وتارة يقولون في القرآن : سحر ، أو شعر ، أو كهانة ، أو إفك مفترى ، وتارة يقولون : لا بعث ولا جنة ولا نار ولا حساب ولا جزاء ، وما نحن بمعذبين.
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) أي قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا ، وبين ما طلبوه في الآخرة ، فمنعوا منه ، مثل قبول الإيمان ، والفرار من العذاب ، أو الرجوع إلى الدنيا ، أو اصطحاب أموالهم وأهليهم ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا : آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ، وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر ٤٠ / ٨٤ ـ ٨٥].
(كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ، إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) هذا بيان سنة الله في أمثالهم ، وعلة تعذيبهم ورفض قبول إيمانهم ، والمعنى : لقد فعلنا بهم كما فعلنا في أمثالهم ونظرائهم من كفار الأمم الماضية ، إنهم كانوا جميعا في الدنيا في شك مغرق في الريبة في أمر الرسل وما جاؤوا به من التوحيد ، وإثبات البعث والجزاء ، والشرائع والأحكام.