وردّ على ابن عباس قوله بتعارضه مع معتقد أهل السنة ، وأن ذلك لا يصح عنه. قال القرطبي : والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله ، وقال كلاما طيبا ، فإنه مكتوب له متقبّل منه ، وله حسناته وعليه سيئاته ، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك. وأيضا فإن الكلام الطيب عمل صالح ، وإنما يستقيم قول من يقول : إن العمل هو الرافع للكلم ، بأن يتأوّل أنه يزيد في رفعه ، وحسن موقعه إذا تعاضد معه ، كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك ، إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر الله تعالى ، كانت الأعمال أشرف ؛ فيكون قوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) موعظة وتذكرة وحضّا على الأعمال. وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها ، كالتوحيد والتسبيح فمقبولة (١).
٤ ـ إن الذين يراءون في أعمالهم ، ويعملون المكرات السيئات في الدنيا ، لهم عذاب شديد في نار جهنم ، ومكرهم بائد غير نافذ. والمكر : ما عمل على سبيل احتيال وخديعة.
٥ ـ الدليل الاخر على إمكان البعث أحوال نفوس البشر وأطوارها ، فقد خلق الله تعالى أصلها من تراب ، ثم جعل النطفة سببا للخلق ، ثم حدث التزاوج بين الذكر والأنثى ، ليتم البقاء في الدنيا إلى نهاية العالم ، عن طريق التناسل ، فلا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به ، ولا يخرج شيء عن تدبيره.
٦ ـ الأعمار كالأرزاق مقدرة محددة في صحيفة كل إنسان ، لا تزيد ولا تنقص ، وأما طول العمر بأسباب ، كصلة الرحم ، فهو داخل في تقدير العمر بصفة نهائية في علم الله ، إذ إنه يكتب في اللوح المحفوظ : عمر فلان كذا سنة ، فإن وصل رحمه ، زيد في عمره كذا سنة ، وفي موضع آخر من اللوح المحفوظ بيّن : إنه سيصل رحمه ، فمن اطلع على الأول دون الثاني ، ظن أنه زيادة أو نقصان.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ٣٣٠