بمقتضاها وما تضمنته من البشارة بهذا الرسول ، لانتفعوا بها وآمنوا به ، ولم يقولوا هذا القول أو يوردوا هذه الشبهة ، ومثلهم في عدم الانتفاع بتوراتهم وترك العمل بها مثل الحمار الذي يحمل الكتب ، ولم يصبه إلا العناء والتعب.
ثم رد الله عليهم قولا آخر وشبهة أخرى حين قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة ٥ / ١٨] ، بأنه لو كان قولهم حقا وهم على ثقة ، لتمنوا على الله أن يميتهم ، وينقلهم سريعا إلى دار كرامته التي أعدّها لأوليائه ، مع أنهم في الحقيقة لا يتمنون الموت أبدا بسبب ما قدّموا من الكفر وتحريف الآيات.
التفسير والبيان :
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) أي إن شبه اليهود الذين تركوا العمل بالتوراة ، بعد أن كلّفوا القيام بها والعمل بما فيها ، فلم يعملوا بموجبها ، ولا أطاعوا ما أمروا به فيها ، كشبه الحمار الذي يحمل الكتب الكبيرة على ظهره ، وهو لا يدري الفرق بين الكتاب والزبل ، لأنه لا فهم له ، واليهود وإن كان لهم عقول وأفهام ، فإنهم لم ينتفعوا بها فيما ينفعهم وفي إدراك الحقائق ، لأنهم حفظوا اللفظ ولم يتفهموه ، ولا عملوا بمقتضاه بل أوّلوه وحرفوه وبدّلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ، لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ، لذا وصفهم تعالى بقوله : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف ٧ / ١٧٩]. وقال تعالى هنا مبينا قبح هذا المثل :
(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ، وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي ما أقبح ما يمثل به للمكذبين ، وما أشنع هذا التشبيه ، وهو تشبيه اليهود بحق بالحمار ، فلا تكونوا أيها المسلمون مثلهم ، والله لا يوفق للحق والخير القوم الكافرين على العموم ، ومنهم اليهود بصفة أولى.
واختير الحمار في هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة ، والذل والحقارة. وقد