كان عراك بن مالك رضياللهعنه إذا صلى الجمعة ، انصرف ، فوقف على باب المسجد ، فقال : اللهم إني أجبت دعوتك ، وصلّيت فريضتك وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك ، وأنت خير الرازقين (١).
وجاء في الحديث : «من دخل سوقا من الأسواق ، فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة» (٢).
ثم عاتب الله تعالى على ما وقع من المؤمنين من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى اللهو أو التجارة القادمة إلى المدينة ، فقال :
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ، وَتَرَكُوكَ قائِماً ، قُلْ : ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ ، وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي وإذا رأى هؤلاء المصلّون المؤمنون وهم في الجامع يستمعون إلى الخطبة إبلا محملة بتجارة قادمة من بلد آخر ، أو رأوا لهوا كقرع الطبول وزمر المزامير احتفالا بزواج أو غيره ، تفرقوا خارجين إلى ذلك ، وتركوك أيها النبي قائما على المنبر وأنت تخطب ، قل أيها الرسول لهم مخطّئا ما عملوا : ما عند الله من الجزاء والثواب العظيم في الدار الآخرة خير من اللهو ومن التجارة اللذين ذهبتم إليهما ، وتركتم البقاء في المسجد وسماع خطبة النبي صلىاللهعليهوسلم لأجلها ، والله هو خير الرازقين ، فمنه اطلبوا الرزق ، وإليه توسلوا بعمل الطاعة ، فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق وأعظم ما يجلبه ، والله يرزق من توكل عليه ، وطلب الرزق في وقته ، وهو كفيل برزق العباد ، ولن يحرم أحد رزقه أو ينقص منه شيء بسبب الصلاة. وكلمة (إِذا) مستعملة في الماضي. ولما كان العطف بأو بين قوله : (تِجارَةً أَوْ لَهْواً) صح مجيء الضمير في (إِلَيْها) مفردا. وقوله : (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) مناسب لكل من التجارة واللهو الذي هو كالتبع للتجارة.
__________________
(١) رواه ابن أبي حاتم (تفسير ابن كثير ٤ / ٣٦٧).
(٢) كنز العمال ٤ / ٩٣٢٧ ، ٩٤٤٣