وقد عرفنا أن سبب نزول هذه الآية أنه كان بالمدينة فاقة وحاجة ، فأقبل دحية الكلبي بتجارة إلى الشام ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة ، فانفتل الناس إليها ، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا في المسجد ، وسبع نسوة. وترك بعضهم الخطبة إلى سماع اللهو ، فكان الترديد في قوله : (تِجارَةً أَوْ لَهْواً) للدلالة على أن منهم من انفض بمجرد سماع الطبل ورؤيته ، ومنهم من انفض إلى التجارة للحاجة إليها والانتفاع بها.
فقه الحياة أو الأحكام :
يؤخذ من الآيات الأحكام التالية :
١ ـ صلاة الجمعة فرض والسعي إليها فرض أيضا ، لأنه لا يمكن أداؤها جماعة في المسجد إلا به. والخطاب في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خاص بالمكلفين بالإجماع ، فلا يطالب بالجمعة المرضى والزّمنى والمسافرين والعبيد والنساء ، والعميان والشيخ الذي لا يمشي إلا بقائد عند أبي حنيفة ، لما أخرجه الدار قطني عن جابر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك ، فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه ، والله غني حميد».
وقال علماء المالكية وغيرهم : ولا يتخلف أحد عن الجمعة ممن عليه إتيانها إلا بعذر ، لا يمكنه منه الإتيان إليها ، مثل المرض الحابس ، أو خوف الزيادة في المرض ، أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء عليه بحق. والمطر الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع.
٢ ـ يختص وجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء ، أما البعيد الدار الذي لا يسمع النداء فلا يدخل تحت الخطاب في قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ).