وقولهم : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) فيه تأكيد شهادتهم ، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم ، مع صدق اعتقادهم ، ومعنى (نَشْهَدُ) نعلم ونحلف. وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) جملة اعتراضية مخبرة أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي تصديق من الله عزوجل لما تضمنه كلامهم من الشهادة لمحمد صلىاللهعليهوسلم بالرسالة ، لئلا يتوهم كون التكذيب الآتي بعدئذ موجها إلى ذلك. وقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) يراد به تكذيب دعواهم أن شهادتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم هي من صميم القلب.
ثم أخبر الله تعالى عن استخدام الأيمان لإثباتهم ما يقولون ، وإقناع الناس بصدقهم ، فقال :
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي إنهم جعلوا أيمانهم الكاذبة التي حلفوها وقاية وسترا لصون دمائهم من القتل ، وأنفسهم من الأسر ، وأموالهم من الأخذ ، حتى لا تطبق عليهم أحكام الكفار من القتل والأسر واغتنام المال ، فاغترّ بهم من لا يعرف حقيقة أمرهم ، فاعتقدوا بأنهم مسلمون ، فاقتدوا بهم فيما يفعلون ، مما ألحق ضررا بكثير من الناس ، إذ منعوهم من الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوة ، إنه لقبيح ما كانوا يفعلون من النفاق والصدّ عن سبيل الله تعالى.
والآية دليل على ارتكابهم جرمين كبيرين : الحلف بالأيمان الكاذبة ، والصد عن الدخول في الإسلام والجهاد في سبيل الله ، مما استوجب وصف أفعالهم بالقبح.
ثم أخبر الله تعالى عن أسباب موقفهم هذا ، فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ، ثُمَّ كَفَرُوا ، فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أي ذلك المذكور من الكذب والصدّ وقبح الأعمال بسبب أنهم آمنوا نفاقا ، ثم كفروا