كفار الأمم المتقدمة ، بسبب معاداتهم شرع الله سبحانه ، وقد تحقق هذا الإنذار بإذلال المشركين بالقتل والأسر والقهر يوم بدر والخندق. وفي ذلك تبشير بنصر المؤمنين على من عاداهم ، ووعيد لكل الحكام المسلمين الذين يهجرون شريعتهم الإلهية ، ويعملون بالقوانين الوضعية ، ونظير الآية : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ..) الآية [النساء ٤ / ١١٥] وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر ٥٩ / ٤].
(وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ ، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) أي وقد أنزلنا للناس آيات واضحات ، لا يخالفها إلا كل كافر فاجر مكابر ، وللجاحدين بتلك الآيات ، المستكبرين عن اتباع شرع الله والانقياد له ، عذاب يهين صاحبه ، ويذله ، بسبب كفرهم وتكبرهم عن حكم الله ، وذلك العذاب : هو الخزي والهوان في الدنيا ، ونار جهنم في الآخرة.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً ، فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ، أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي اذكر ذلك اليوم تعظيما له ، وأخبر بأن لهم عذابا مهينا يوم يحسرهم الله جميعا من الأولين والآخرين في يوم الحساب ، مجتمعين في حالة واحدة ، لا يبقى منهم أحد لا يبعث ، فيخبرهم الله بأعمالهم القبيحة التي عملوها في الدنيا ، لإقامة الحجة وتكميلها عليهم ، كما يخبرهم بكل ما صنعوا من خير وشر ، ضبطه الله وحفظه عليهم ، في صحائف كتبهم ، وهم قد نسوا ما كانوا عملوا ، والله مطلع وناظر لا يغيب عنه شيء ، ولا يخفى ولا ينسى شيئا.
وفي هذا أيضا وعيد شديد لكل من قدم الأعمال المنكرة والأفعال القبيحة.
ثم أخبر الله تعالى تأكيدا لما سبق بإحاطة علمه بخلقه واطلاعه على كل شيء ، فقال:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ