وكان المثل بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ، ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدّين ، وحثا للمؤمنين على الصبر في الشدة ، كصبر آسية على أذى فرعون ، وكانت آسية آمنت بموسى ، وصبر السيدة مريم البتول على أذى اليهود واتهامها بالفاحشة ، فصبر المؤمن والمؤمنة على الأذى ينجي من القوم الظالمين ، والتقرب إلى الله يكون بالطاعات ، لا بالوسيلة والشفاعات.
فعلى الرغم من تعذيب فرعون لزوجته آسية دعت قائلة : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
ومريم العذراء أم عيسى عليهماالسلام ضرب الله بها مثلا لصبرها على أذى اليهود الذين اتهموها بالفاحشة ، مع أنها كانت عفيفة طاهرة صانت نفسها عن الفواحش ، ولكن الله أرسل لها جبريل ، فنفخ في فرجها روحا من أرواحه وهي روح عيسى ، فحملت به ثم ولدته من غير أب ، وصدقت بشرائع الله وكتبه ورسالاته وبما أخبرها به جبريل : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) الآية [مريم ١٩ / ١٩] وكانت من المطيعين.
روى قتادة عن أنس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم».
قال الرازي : أما ضرب المثل بامرأة نوح المسماة بواعلة ، وامرأة لوط المسماة بواهلة ، فمشتمل على فوائد متعددة لا يعرفها بتمامها إلا الله تعالى ، منها : التنبيه للرجال والنساء على الثواب العظيم والعذاب الأليم.
ومنها : العلم بأن صلاح الغير لا ينفع المفسد ، وفساد الغير لا يضر المصلح.
ومنها : أن الرجل ، وإن كان في غاية الصلاح ، فلا يأمن المرأة ، ولا يأمن نفسه ، كالصادر من امرأتي نوح ولوط.