ملك الكرسي ، وعلمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، أي : صفته أعظم من صفة الكرسي ، وهما في ذلك مقرونان ، قلت : جعلت فداك ، فلم صار في الفضل جار الكرسي؟ قال عليه السلام : إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه وفيه الظاهر من أبواب البداء وانيتها وحد رتقها وفتقها ، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، وبمثل صرّف العلماء ، وليستدلوا على صدق دعواهما ، لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز (١).
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) : تعرضون على الله بشهود الأعمال ، عرضا حاضرا حاذرا مشهودا ، بعد ما كنتم معروضين عليه يوم الدنيا غير مشهودين ، ثم ذلك عرض للحساب ، وهنا عرض العلم ، وفي ذلك العرض الشهادة الحساب (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) : خافية النيات والعقائد والأعمال والسرائر ، مهما حاولتم في اخفائها ، إخفاء عن الله؟ كلا! (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) (١٨ : ٤٨) (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) (٤٠ : ١٦) بارزون لأنفسهم وسواهم ، فكيف يخفى على الله منهم شيء ، ولا تخفى عليه خافية!.
وما أخطره هول المطلع والعرض وما أفظعه وأصعبه ، ألا إنه ليوم عصيب أعصب من دك الأرض ومور السماء : وقوف الإنسان عريان الجسد ، عريان النفس ، عريان الضمير ، عريان الحاضر والغابر ، عريان الآمال والأعمال ما ظهر منها وما استتر ، أين؟ امام تلك الحشود الهائلة من خلق الله ، وامام عظمة الله وجلاله! ألا انه حقا لأمر أمرّ من كل أمر وأدهى ، فليحسب له الإنسان حسابه ، وليعدّ له عدّته ، سبحان الغفار العظيم!
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ
__________________
(١) التوحيد للصدوق باسناده عن حنان بن سدير :