لأهله الصالحين. فهو من عزم الأمور : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٦ : ٣٥) (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٦ : ١٢٦) ، صبر ابتغاء وجه الله : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ... أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (١٣ : ٢٢) و (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (١٦ : ٤٢) ومن هؤلاء الأئمة الدعاة الى الله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) (٣٢ : ٢٤) فمجال الصبر هو ان يكون ابتغاء وجه الله واتكالا على الله ، ورضى برضى الله ، وانتظارا لحكم الله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) (١٠ : ١٠٩) : وكما صبر يعقوب عليه السلام إذ قال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١٢ : ١٨) ولكن الرسول الأقدس عليه أن يجمع في سبيل تنفيذ هذه الرسالة الخالدة ، يجمع صبر أولى العزم وهممهم : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (٤٦ : ٣٥).
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) : فهم يرون العذاب الواقع يوم الحساب ، ويرون الحساب : بعيدا عن العقل والواقع ، ونراه قريبا حسب العقل والواقع بحكم العدل ، وكل آت قريب! ثم عله قريب حلوله أيضا : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٣٢ : ٦٣) وكيف لا وقد جاء أشراطها؟! (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) (٤٧ : ١٨) فبيننا وبين الساعة أقرب مما بيننا وبين بداية الخلقة لو انها القيامة الأولى ، أو من بداية خلقنا أو خلق كوننا الحاضر ، لو أنها غير الاولى ، فقد مضى ـ على اية حال ـ اكثر الزمن وبقي اقله ، وكفاه قربا للساعة ، فلئن يشك الرسول الأقدس في قربها فهو بحساب آخر : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) (٢١ : ١٠٩) : قربا أو بعدا بالنسبة لزمن نزول القرآن ، لا قياسا الى ما قبله ، وعلى هذا القياس : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (٤٢ : ١٧).
فهنا للساعة قرب مؤكد بحساب العقل والعدل ، ومؤكد بحساب الواقع