(إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) يتألم للذعته ، ويجزع لوقعته ، ويحسب انه دائم لا كاشف له ، سرمدا مضروبا عليه ، لا يتوقع تغييرا ، ولا يرجوا من الله تحويرا ، ولا لنفسه من أسر الشيطان تحريرا ، ومن ثم يأكله الجزع ، ويمزقه الهلع ، ولا يفكر : عله شر أصابه كردة فعل من شره هو ، فليمسك شره لكي يأمن بأسه ، بدل ان يجزع ، أو أنه شر أصابه من الأشرار في سبيله الى ربه فليصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنه الذين لا يوقنون : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) (٢٩ : ١٠) أو أنه امتحان من الله ليستكمله بما يمسه من الاتعاب ، يمتحنه بها دون امتهان ، فلما ذا يجزع؟ أو أنه شر أصابه من ظالمه وهو قادر على دفعه فليدفعه بما منحه الله من نعمة القوة ، فلما ذا يجزع؟ أم لا طاقة له به فليصبر وليحتسب عند الله عناءه ويطلب منه جزاءه ، فلما ذا يجزع؟ وعلى أية حال ليس الجزع إلا من الجهل واللاإيمان وعدم الوثوق بالله ، واللاحساب فيما يجزع به.
(وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) : يمنعه عن غيره كأنه ملكه من كدّيده ، فيحتجنه ويختزنه لنفسه ، وكأنه إله نفسه ورازقها ، فما يصيبه من خير ليس رزقا من الله يمتحنه فيه ، وانما من نفسه يحتجنه ، وهذه هي الفكرة الخاطئة القارونية الماردة : (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٢٨ : ٧٨). ولنفرض انه منك وإليك ، فلتكن كريما بما عندك لا تبخل فيه ، لو انك أنت الذي حصلته بلياقة ولباقة! ولكنه ليس منك ولا لك ، وإنما امانة سمي ملكا وأنت مستخلف فيها ، لا مخول تعمل فيها ما تشاء : ف (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (٥٧ : ٧).
فكيف لا تدرك حقيقة الرزق ودورك فيه ، ولا تتطلع منه إلى خير عند ربك ، خاويا قلبك من الشعور ، تهرع وتهلع إلى نفسك ، كأنك أنت فقط ولا مرزوق سواك؟!
(إِلَّا الْمُصَلِّينَ ...) : فهم منقطعون عن شر الهلع الى خيره ، وليس من