(٧ : ٢٩) (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢١ : ١٠٤) ولقد بدأنا بالنطفة فليعدنا بنفس النطفة التي خلقنا منها أول مرة ، ثم لا حاجة إلى الزوائد يوم المعاد ، فانها بين ما لا تنفع ، وما تضر ، وسوف نفصل البحث عن كيفية الحشر معمقا في مناسبتها الأخرى.
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) : فإذ لا تنفع هؤلاء المناكيد الأوغاد ، أيّة حجة وذكرى ، فذرهم على ما هم فيه خائضون من نكران الحق والهزؤ به ، وذرهم يلعبوا بمغريات الحياة الدنيا ، حتى يلاقوا اليوم الموعود ، البادئ بما بعد الموت يوم البرزخ ، ثم إلى يوم الحشر ، ويعتبران يوما واحدا اعتبارا بانقضاء التكليف وابتداء الجزاء بالموت (١).
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) : هنا يختص يوم القيامة بالذكر من يومي الجزاء ، لأنه الأصل والبرزخ كتهيئة.
في هذا اليوم يخرجون بأجسادهم من أجداثهم : قبورهم ، مسرعين ، كأنهم يسرعون إلى نصب منصوبة أعلاما لمن لا يعرف الطريق.
(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٥٤ : ٧) (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) (٤٢ : ٤٥) ومن الرهبة (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ. أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (٧٩ : ٩) فأبصار العيون والقلوب تخشع واجفة ، (تَرْهَقُهُمْ) : تشملهم بقهر (ذِلَّةٌ) وتغشاهم ، (ذلِكَ) اليوم العصيب الرهيب (الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا) طوال الرسالات وطول حياتهم (يُوعَدُونَ) عنه وهم ناكرون ، وقد كانوا يرتابون فيه ويكذبون به ويستعجلون.
__________________
(١) ولا يعنى هنا خصوص الحشر إذ لا يعقل استمرارية الخوض واللعب اليه ، حيث الدنيا بما فيها تنقطع بالموت وبه تقوم القيامة الصغرى ، و «حتى» تفيد استمرارية الخوض واللعب ـ تأمل.