(إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) : وكما بدلنا نطفهم خيرا منها إذ جعلناها في أحسن تقويم ، كذلك سوف نبدل أجسادهم البالية خيرا منها ، ما يناسب الخلود ، بتخليصها من بواعث الأمراض والأعراض المؤدية إلى الموت ، لحد لا يقضى على أهل النار فيموتوا ، (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ومن خيرها أنها البدن الأصيل متحللا عن الزوائد من أبدان آخرين أو غيرها ، إذ إن في إحيائها مع غير أبدانها إبطالا لإحياء الآخرين وجزائهم الجسداني ، واحياء الزوائد من غير الأبدان لغو لا يفيد ، لأن الهدف من إحياء الأجساد إيصال الجزاء إلى أرواحها العاملة بها ، ويكفيه البدن الذي عاشه طوال حياة التكليف أو حياته كلها.
ومن خيرها انها رقيقة كأنها الهواء أو أخف والطف ، وعلها الطينة التي خلقت منها ، وعلى حد المروي عن الامام الصادق عليه السلام حين «سئل عن الميت يبلى جسده؟! قال : نعم ، حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فانها تبقى مستديرة في القبر حتى يخلق منها كما خلق أول مرة» (١).
وعل الآيات في خلق الأمثال يوم المعاد ، ترمي إلى هذه الأبدان الروحانية الصافية البراقة ، تذوق نعم الله في جنته ، أم نقمه في ناره : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٥٦ : ٦١) نحن السابقون على القدرات لا مسبوقون على أن نبد لكم أمثالكم وهو الخلق الجديد : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو مثل الخلق القديم في الصورة ، لا عينها ، لاستحالة اعادة المعدوم ، وهو مثله في الجسم لا عينه في كله ، وانما كحالة تجردية كالبدن البرزخي ، وكالنور ، ومصدره البدن الذي عاشه حياته أو حياة التكليف.
وكذلك الآيات في مثل الخلق الجديد انه كالبدء : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)
__________________
(١) نبدل تطلب مفعولين ثانيهما مذكور وهو أمثالكم فالأول هو «كم» وهو الخلق الجديد.