والجنوب ، فبما أن شروق الشمس يكون دائما من جهة مهما تجولت فيها ، وكذلك غروبها ، لذلك وحد كل منهما في آيات.
واما المشرقان والمغربان فلأسباب عدة : منها ضم الجهتين الفرعيتين الأخريين إليهما ، الشمال في إحداهما والجنوب في الأخرى ، تغلبيا للأصيلتين في التعبير ، ومنها أن لكل نصف من كرتنا الأرضية مشرق ومغرب خاص هما المشرقان والمغربان ، ومنها أن لكل من الصيف والشتاء ، للشمس فيه غاية ارتفاع وغاية انخفاض هما المعنيان ، وفيما إذا ذكر أحدهما كما في الزخرف : (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) فالمقصود المشرق والمغرب تغليبا للمشرق ، تفضيلا للشروق على الغروب.
ثم المشارق والمغارب ، ففي المطلق منهما يعني ـ فيما يعني ـ المشارق لكل الشموس والنجوم الشارقة ، وكذا المغارب ، وفيما اختصا بالأرض فمشرق كل يوم ومغربه يدور على عدد أيام السنة ، وعلى حدّ المروي عن علي عليه السلام لهما ثلاثمائة وستون مشرقا وثلاثمائة وستون مغربا ، فيومها الذي تشرق فيه لا تعود فيه من قابل» (١) ، وأكثر من ذلك ، لكلّ أفق للشمس على أرضنا شروق وغروب ، وبموجبه كان التكليف في أوقات الصلاة حسب أوقات الشروق والغروب للآفاق كما في الحديث : أنت مكلف لمشرقك ومغربك.
ومما توحيه هذه الآيات هو كروية أرضنا ، وإلا لم يكن لها إلا مشرق ومغرب واحد.
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) : ليس الأمر بحاجة إلى قسم ، وإنما التلويح بذكرهما يوحي بعظمة الخالق وسعة قدرته ، إذ يشرق الأرض ويغربها حسب تدبير زمني محسوب بالآنات أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس ، فهو أيضا المشرق للأبدان بأنوار الأرواح ، والمغرب لها بإزهاقها ـ سواء.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٢٠ في كتاب معاني الاخبار رفعه اليه (ع) : ورواه في الاحتجاج عنه (ع) مثله.