كانت الوحدة سائدة بين الناس قبل الرسالات ، فهل يا ترى انها وحدة في الهدى دون رسالة إلهية ، ولم تتحقق الوحدة الدينية مع الرسالات؟ كلا ، انهم كانوا ضلّالا أجمع ، لعدم شرايع الدين وقتذاك ، وتحللهم عن شريعة العقل المؤيد بوحي السماء.
ومهما كانت الضلالة سائدة على البشرية قبل شرائع الدين ، فانها ضلالة عن تقصير وقصور ، قصور زال بشرائع الدين ، وتقصير في التحلل عن شريعة العقل الوحيد ، أو عقل الوحي التي حملتها غير اولى العزم من غير أصحاب الشرائع ، كآدم وإدريس ، يوحي بذلك ما يحمله نوح في مستهل رسالته :
(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) :
فإذا لم تكن قبل نوح أية شريعة قاطعة للعذر ، داعية إلى الحق ، فما هو العذاب الأليم الذي يهددهم به نوح عليه السلام : (أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ) فلولا الإنذار من نوح ـ ايضا ـ لكان يأتيهم عذاب اليم ، ولكن الله يكمل حجته وإنذاره بأول شريعة من الدين ، بعد ما ثبتت الحجة بشريعة من العقل ، فشرائع العقل بالوحي وسواه ، وشرائع الدين ، هما متناصرتان في اثبات الحجة ومزيدها على الناكرين ، والقرآن يشير إلى رسل قبل نوح : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) (٢٥ : ٣٧) ولو لم يكن رسل قبل نوح لما صدق تكذيبهم لجمع الرسل ، واقله اثنان أو ثلاثة ، وفي المروي عن الباقر عليه السلام انهم كانوا عشرة (١).
فلا تخلوا ـ إذا ـ الفترات الرسالية ، من حجج بالغة ، الفترة قبل شرايع الدين (بين آدم وإدريس وبينه وبين نوح) وبين شرائع الدين (كما بين المسيح
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٢١ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى محمد بن الفضل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع): كان بين آدم ونوح عشرة آباء كلهم أنبياء.