ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم) مهما كانت الحجج ابلغ وأقوى في غير الفترات الرسالية ، فإنما يداقّ الله الناس في الحساب على قدر ما أوتوه ، كما يقتضيه عدله وحكمته البالغة.
ونوح عليه السلام يحمل في مستهل الدعوة وفجر الرسالة ، الدعوة إلى أصول ثلاثة هي خلاصة الأساس في الرسالات الإلهية كلها ، مهما افترقت في التخطيط والتفريع والعمق والبساطة والشكليات المناسبة لكل جيل :
(قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ).
(إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) عن عذاب الله في الدارين ، ان تركتم هذه الأصول (نَذِيرٌ مُبِينٌ) : مبين لجذور الإنذار وأسبابه ، مبين عملا واقعا جزاء ترك الشريعة ، ومبين كذلك من هنا نتائج تطبيقها.
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) : فعبادة الله وحدها ، وكأوّل الفرائض ، هي منهج كامل للحياة ، تشمل التعرف إلى ألوهيته والعمل لعبوديته ، وانها الصلة الوحيدة العريقة بين العبد والمعبود ، وينبثق نظام الحياة عنها ، وهي تشمل توحيده في سائر شئون الالوهية ، وتطبيق الواجبات الشرعية تجاهه تعالى.
(وَاتَّقُوهُ) : تقوى الله في عبادته فلا يعبد معه سواه ، وفي طاعته فلا يطع معه سواه ، وفي حرماته فلا تهتك ، انها هي الضمانة الحقيقية لاستقامة الإنسان على الثبات في عبادته ، وعدم التلفت والتفلّت عنه أو الالتواء في تطبيقه.
(وَأَطِيعُونِ) : وطاعة الرسول أولا وأخيرا هي الوسيلة الوحيدة للتعرف إلى عبادة الله وتقواه المقصودة الصالحة ، إذ لا تعرف إلا بالوحي ولا سيما الذي يحمله اولوا العزم من الرسل الذين دارت عليهم الرحى.
وهكذا نجد البرامج الرسالية طوال عهودها ، تحمل هذه البنود البناءة كأصول الدعوة بالإنذار والتبشير ، ثم الفروع تتبناها مهما اختلفت باختلاف المصالح والبيئات ، وليبلوهم الله تعالى فيما آتاهم : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ... لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨).