والشرائع هي شرائع الدين وهو واحد برغم اختلافها في شكلياتها ، فالدين هو الطاعة لله الواحد القهار ، مهما اختلفت صورها وسيرها : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (٤٢ : ١٣) أقيموا الدين الواحد في شرائعه ، فالدين واحد والامة واحدة : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢١ : ٩٢).
فهل توجد شريعة من شرائع الدين لا تتبنى ـ كأصول ـ هذه الثلاثة؟ والشاذة عنها أو عن واحدة منها ليست شريعة إلهية أو هي محرفة.
ونتيجة هامة عامة تنجم عن اعتناق هذه الثلاثة اضافة إلى سائر نتائجها الدنيوية والاخروية أمران :
(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
غفر الذنوب ـ بعضها لا كلها ـ فان «من» يوحي بالتبعيض ، وهذا البعض ليس إلا مما سلف في زمن الكفر : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٨ : ٣٨).
والبعض المغفور هو الحقوق الإلهية المضيعة زمن الكفر ، وذلك بشرف الإيمان ، واما البشرية الضائعة فلا تغفر بالإيمان ، انما بالإصلاح وإرضاء أصحابها ، مناسبة الحكم والموضوع ، فان الإيمان بالله ليس ليضيع حقوق الناس.
وليس من العدل والحكمة في التشريع غفران الذنوب الآتية بسند الإيمان السابق ولو دام ، فان الإيمان لزامه الدفع للصالحات ، لا أن يغفر صاحبه إذا تخلف عنها إلى الطالحات ، ولزام الغفران هكذا الغاء التكاليف الإلهية بسبب حصول مبدء التكليف ودافعه : الإيمان.
اجل : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (١٤ : ١٠) (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا