إنذارا لمن بقي على الكفر ، فان أجله المعلق إذا جاء لا يؤخر إلى المسمى.
فهنا الأجل كلا الأجلين ، وكون المعلق اجل الله اعتبارا بان الموت لا يتحقق إلا بإرادته مهما توفرت بواعثه ، وان الحياة لا تبقى إلا بإرادته مهما توفرت عواملها ، فله التأجيل إلى الأجل المسمى فإذا جاء لا يؤخر قط ، وله التعجيل عن المسمى ، فإذا جاء لا يؤخر إلا باذنه ، إذا فلا منافاة بين عدم تأخير اجل الله ، وأنه يؤخره إلى المسمى.
فلا يحسبن احد ان اجله بيده ، او ان له تأجيل أجله أو تعجيله ، انما له تقديم دوافع الموت قبل أجله المحتوم ، ثم إذا شاء الله أماته ، وله تقديم دوافع التأجيل إلى المسمى كالايمان ، وقد يشاء الله تأجيله ان كان لصالحه.
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً).
عرض نموذجي لما بلغه نوح من رسالات الله ، وما لاقاه وعاناه من قومه طوال الدعوة مع ما كان منه من صبر على ألوان الأذى طوال الف سنة إلا خمسين عاما : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) (٥٣ : ٥٢).
هذه الدعوة كانت متواصلة ليل نهار دون ملل ولا كلل ولا خلل ، دون أن يمله عدم الاجابة ، أو تكلّه مواصلة الأذى ، يعرضها نوح في نهاية الأمد الطويل من دعوته ومستهل دعائه عليهم بعد الإياس من خيرهم والتأكد من شرهم ومن في أصلابهم.
(فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) : هل لأن دعوته كانت قاسية يفر منها؟ ام لأنها كانت ناقصة لا تحمل حججا تقبلها الفطر والعقول؟ ام لأنهم هم كانوا اظلم واطغى ، ودعوة الحق لا تزيد دعاة الباطل العنيدين إلا ضلالا بما يصرون في عتوهم ونفورهم ونكيرهم للحق الصراح : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢) إذ يخسرون فيها الدعوة والداعي ويبدلون الرحمة عذابا وخسارا : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً