وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٢ : ١٠) وانما زيادته بظهوره عند ظهور الحق ووفوره عند نكيره.
إنه لا بد للدعوة الحق من زيادة ، إما في الهدى ، أو في الضلال ، وأما ألا تؤثر لا إثباتا ولا نفيا؟ فلا! ولا بد من مواصلة الدعوة ليل نهار واثباتا للحجة تنويرا للمهجة لكي تصبح نورا للمهتدين ونارا على المعتدين جزاء وفاقا.
إنهم كانوا يفرون عن دعائه وعن اجابة الحق ، ولكن نوحا لم يكن ليذرهم يفرون إلا ويلاحقهم أينما كانوا ، فما استطاعوا بالفرار بعدا عن دعائه ، لذلك احتالوا حيلا أخرى ليفروا عن سماع الحق في فرارهم على قرارهم ، بملاحقته إياهم :
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) :
إصرار تلو إصرار واستكبار ، إصرار الداعية على دعوة الحق في محاولة دائبة ، وتحيّن الفرص لتبليغهم إياه ، وإصرارهم تجاهه في ادبار واستكبار كأنهم يدعون إلى الموت! وهو يدعوهم إلى الحياة ، ليغفر الله لهم ذنوبهم ويحييهم حياتا طيبة!.
ظلوا في محاولة عنيدة بغيضة كيلا يسمعوا نوحا ولا يروه بطريقة صبيانية حمقاء ، بسد الآذان عن سماع الحق ، وستر العيون عن رؤية داعية الحق ، برد الثياب ، وهذا منتهى الضلال.
لقد جرّب نوح كافة الأساليب في دعوتهم علهم يهتدون ، وهم قابلوه بكافة أساليب التمرد والعصيان وظلوا معاندين.
فمن حيث الزمن : الف سنة إلا خمسين عاما ، وفي مواصلة دعاءهم ليل نهار ، وفي ملاحقتهم حالة الفرار لم يخل مجالا ، وفي كيفيتها : إسرارا ثم إعلانا ، ثم إعلانا وإسرارا :
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) : فقد يوحي بسابق الإسرار ، وهو بطبيعة الحال