مستهل الدعوة : فلو ابتدأت جهارا واجهت حملة جماهيرية قاضية ، فلا بد من الإسرار أولا كي تجد جوا صالحا وركيزة تتركز عليها الدعوة في المارقين.
ثم إذا واجهت قبولا ولو قليلا ، ام لم تواجه ، فالإعلان ، علّها تثير عطف الجماهير وتحرك فكرهم وتنير فطرهم عل فيهم من يقبل ويقبل.
ثم أخيرا لا بد من الجمع بين الإعلان والإسرار ، كلّ في مجاله المناسب وجوّه اللائق :
(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) : إسرارا ليدخل شغاف القلوب وعل القابل يقبل فيلحق دون خجل من الجماهير العنيدة ، وإعلانا لتعزيز كلمة الحق ، ولتظهر القابليات على رؤوس الأشهاد ، ولقد حملت الدعوة ـ فيما حملت ـ ترغيبهم بالحق فوعدتهم بمتطلبات الحياة الدنيا ، رغم انها ليست دار جزاء ، وتحريكا لعقولهم وعواطفهم وضمائرهم ، وتنديدا بهؤلاء الذين قلوبهم قلوب الشياطين فلا يعرفون أو يفهمون كلمة الحق!:
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) : لا يذهب استغفاركم هباء ، لأن الله تعالى غفار في سنته الإلهية منذ بدء الخلق ، فاستغفروه لأنه ربكم : المالك المدبر لكم ، ولأنه معدن الغفران : (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً).
ومن آثار غفرانه في الدنيا انه يفتح لكم بركات من السماء والأرض :
(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧ : ٩٦).
هذه البركات الموعودة هي مما تنتج عن الإيمان والتقوى وليزيدوا من الصالحات ويعيشوا بركات ، ولكنها ليست دائما ناتجة عن الصالحات كالتي توفر على الكفار إملاء وامهالا ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ، فهي إذا دركات لهم وليست ببركات ، وكما نشهدها اليوم في دولتين كبيرتين موسع عليهما في الرزق ، ممكّن لهما في الأرض : أمريكا الرأسمالية المستعمرة ، روسيا الشيوعية المستحمرة ،