قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة [ ج ٢٩ ]

154/350
*

والدرك الأسفل في الأولى هبوط المستوى الأخلاقي إلى اشر دركات الحيوانية ، والحياة كل الحياة قائمة فيها على اغراءات المال ، وفي الثانية تهدر قيمة الإنسان الروحية إلى أسفل دركات ، ويسود التجسس ويعيش الناس في وجل دائم من المذابح المتوالية ، وليست هذه أو تلك حياتا انسانية ، ولا تعد بركاتهم إلا دركات! : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦ : ٦).

وآية المدرار والإمداد بالأمطار الغزيرة والأموال والبنين توحي انهم كانوا في نقصان منها كلها ، فمما يزيدها عليهم مجانا ودون عمل دنيوي ، هو الاستغفار من الذنوب ومواصلة الطاعات ، إلا أنه ليس حتما في كل الظروف والمجالات ، فقد تكون هناك عوائق نجهلها ، أو نحن نعملها ، وإنما الاستغفار لو خلي وطبعه يستتبع بركات من السماء والأرض كضابطة عامة تقبل الاستثناءات ولا سيما بالنسبة للأفراد ، فالحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد ، فما من امة قام فيها شريعة الله واتجهت اتجاها حقيقيا لله بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية الله إلا فاضت فيها الخيرات ونزلت عليها البركات من الأرض والسماوات ، وكما الآيات تحمل هكذا وعد للأمم لا للأفراد : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٥ : ٦٦) إذا فالقاعدة اممية لا فردية وإن كانت تعم الأفراد أحيانا.

والتقوى الجماهيرية بطبيعة الحال تقي جماهيرها عن التورط في دركات الحياة ، وتخلق جوا سليما سالما متحللا عن التطاولات المسببة للفوضويات ، وتبني صرحا عاليا لرغد الأمن والعيش لمن يتقي الحرمات واللاأخلاقيات ، مما يؤهل لنزول مزيد البركات كنموذج فعلي للجزاء ، وتمام الجزاء ليوم الجزاء : (وَيا قَوْمِ