لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤٦ : ٣٢).
فلا يعني صرف الله تعالى نفرا من الجن إلا وحيه إليهم أن ينصرفوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولو لم يكن الوحي والرسالة مختومين بالرسول محمد ، لجاز استقلال رسل الجن بالوحي ، كما قبل الإسلام تلميحا من الآية : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا ..) (٦ : ١٣٠) وتصريحا من آيات تكليفهم وقد خلقوا قبل الإنسان ، فهل يا ترى كانوا قبلئذ مكلفين دون وحي؟ أم بالوحي إلى أشخاصهم أجمع؟ أم إلى بعضهم وهو الصحيح ، وآية المعشر تعمم الرسالة الإلهية لقبيلي الجن والإنس منذ كانوا ، فليكن منهم رسل قبل الانس ومع الانس ، ف «منكم» الدالة على الجنس توحي بكون الرسل في كل منهما من نفسه لا سواه ، فلو كان رسل الجن هم من الانس لم يقولوا : «شهدنا» كما العكس أيضا كذلك.
ثم بلوغ الحجة الإلهية لا يتم إلا أن يبعث لكلّ رسول منهم ، مهما كانت رسالته أصيلة ، أم تبعا لرسالة الإنس ، أم رسالة إلى سول الإنس ليأخذوا عنه كما في الرسالة المحمدية.
لذلك نجد القرآن يحتج ـ فيما يحتج ـ على منكري رسالة البشر ، انها من دعائم الحجة عليهم ، فلو أرسل إليهم ملائكة لاعتذروا باختلاف الجنس : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٦ : ٩) (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (١٧ : ٩٥) (لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (٦ : ١١١).
إذا فمن المؤكد ان من الجن رسلا ولا سيما قبل خلق الإنس ، ثم بعده وقبل وحي القرآن عل رسالة الجن كانت تبعية لرسل الإنس كما تلمح اليه آيات الاصطفاء :