كلا! إنهم كأمثالنا طالما اختلفوا عنا فيما استوحيناه مسبقا ، مما لا يجعلهم سابقين علينا ومسيطرين فينا ، ولا شريرين تماما ، فهم مكلفون كما نحن ، وهم طرائق قدد كما نحن إلا في شياطينهم الثابتين على قدتهم ، فقد شبّه سبحانه اختلافهم في الأحوال ، وافتراقهم في الآراء كالسيور المقدودة التي تتفرق عن أصلها وتتشعب بعد ائتلافها ، حيث ائتلفوا منذ الخلقة إذ خلقوا من نار ، ثم اختلفوا قدد النور والنار وبينهما متوسطات.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)
(وَأَنَّا ظَنَنَّا) : ظن القلب الذي يساور اليقين ، لا ظن العقل الذي لا يغني ، ولا يقبل من المؤمنين ، و : «لن» المكررة هنا مرتين ، الدالة على استحالة مدخولها ، إنها أثبت قرينة أنه ظن القلب ، فظن العقل ، بل ويقينه ـ أحيانا ـ يتحمل فكرة تعجيز الله بأيّ معنى كان ، كما نلمسه ممن يدّعون الايمان ، وظنّ رسل الجن مما يحيل هذه الفكرة ، فليكن يقينا عقليا راجحا.
وإنما يقتصر هنا بالظن ، وجماعة من رسل الجن هم من أهل اليقين في قلوبهم؟ لأنهم درجات ، يجمعهم ظن القلب ، مهما اختص البعض منهم بيقينه!
(.. أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ) : يوحي انهم من سكنة الأرض ، وان كان باستطاعتهم صعود السماء ، وهنا يعترفون ـ رغم أوهام المشركين الظانين ان الجن شركاء الله وانسباؤه ـ يعترفون انهم يعرفون قدرة الله عليهم في الأرض ، فلن يعجزوه فيها ، بل ولا هربا : هربا من الحياة الدنيا ، فإنهم ينتقلون بعد الى برزخ الحياة وهم في قبضة الحي القيوم ، أم هربا من حياة الأرض الى السماء فالى أين يهربون إلا الى ملكه وسلطانه : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٥٥ : ٣٣) فلنفرض ان هناك منفذا من أقطار السماوات والأرض ، فالى أين بعد؟ فهل إلا الى سلطان الله وملكه؟