فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) فالمؤمن مهما كان فاسقا ليس لجهنم حطبا ، وإن أحرق بوقوده قليلا أم كثيرا ، ولكنه خارج عنها الى رحمة الله ، لإيمانه ، فلا يضيع الله ايمانهم ولا يسوي بينهم والشياطين.
وبما أن التحري هو التعمل في قصد حرى الشيء وجانبه ، نعرف ان مسلمي الجن إنما أسلموا فاحصين قاصدين الايمان المفصل بالوحي بعد أن كانوا مؤمنين الايمان المجمل بعقولهم الصافية وقلوبهم الضافية ، فقد تحروا رشدا حتى جاءهم الرشد بوحي القرآن فآمنوا به غير مسيّرين ولا ناكرين ولا راغبين بالايمان مالا ولا منالا ، وإنما رشدا ، كانوا يتحرونه حياتهم ، وكلّ نال رشده وهداه قدر سعيه ولباقته ولياقته ، بين من أوحي اليه وحمل رسالة السماء على هامش رسل الانس ، وبين المؤمنين بدرجاتهم ، بما أرسل إليهم رسلهم إذ (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
فالإسلام ـ أيا كان ـ بحاجة الى التحري والتفكير الصحيح للوصول اليه ، دون الضلالة فانها تتحرى الإنسان وهي قائمة على كافة الدروب ، دون حاجة الى ان يتحراها الإنسان ، فالضلالة والقسط تخبّط عشوائي ، ولا إنسانية بغير إدراك ، والإسلام والإقساط اهتداء الى الرشد في إنسانية التحري والتفكير ودحر الجهالات والتعصبات.
والقسط ـ خلاف الإقساط ـ : أخذ نصيب الغير ظلما ، خلاف إعطائه عدلا ـ كالضرب والإضراب ـ فالإسلام يتضمن الإقساط ، إعطاء كل ذي حق حقه ، حق الخالق والمخلوق ، وحق المسلم نفسه ، مستسلما في هذه الحقوق لحكم الله ، والقسط تجاوز الى حقوق الغير وأخذها ظلما وعتوا ، ويرجع الى هدر الحقوق جماعية وفردية ، خلقية وخالقية ، ولصاحب القسط قسط عظيم من قسطه ، يكدّر حياته وهو يحسب أنه يحسن صنعا!
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) : «كانوا» لا سوف يكونون فهم حياتهم حطب جهنم ، يؤجّجون نيران الخلافات والحرمانات والظلامات ،