فآيات الجنة في سورة الرحمان تشمل الانس والجان صريحة : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٥٥ : ٤٦).
ولقد أوحى التعبير في هذه الآيات انها تحمل مقالات واعترافات رسل الجن ، مزيجة من وحي العقل والايمان ووحي السماء ، ثم الله يؤيدهم في أن الاستقامة على طريقة الإسلام تسقيهم ماء غدقا يحييهم في عوالم الحياة كلها ، فليس الإسلام المنقطع الفاشل بالذي ينجيهم ، وإنما الإسلام المستقام :
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً).
ونرى هكذا تتمة السورة انها من كلمات الله تأييدا لرسالة الجن وتكميلا لها في وحيها الأصيل الى رسلهم ورسول الانس محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
وان في ترادف آياته تعالى بما ينقله عن رسل الجن دلالة لطيفة على مدى تصديقه لهم في مقالاتهم النابعة عن وحي الايمان ووحي السماء ، وانها مصدّقة كوحي القرآن لأنها نابعة عنه.
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) المسلمون من الجن وسواهم (عَلَى الطَّرِيقَةِ) المثلى التي تحروها ، دون تزعزع وفوضى ، وإنما الاستقامة : طلب القوام والقيام فيها من أنفسهم وسواهم (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) غزيرا : يمطر عليهم من سماء الرحمة روحانية وجسدانية : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧ : ٩٦) (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٥ : ٦٦).
إن الماء الغدق هناك ، والبركات هنا ، لا يخصان ماء السماء وبركاتها المادية فحسب ، فانها تعم المستقيمين وسواهم ، وان كانت لهم رحمة ولمن