سواهم ابتلاء ونقمة ، فهي تعم ماء الحياة الروحانية وبركاتها التي تخص المتقين المستقيمين دون سواهم ، فلا تختص عوائد الايمان وفوائدها الحياة الاخرى ، بل إنها تعمها والحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ، فالبركات الروحية هي أولى وأحرى أن تسمى ماء غدقا وبركات إذ لا تخالطها دركات : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٤١ : ٣٠) لذلك نرى الامام جعفر الصادق عليه السلام يفسر الماء الغدق بالعلم الكثير ، تفسيرا بما هو أحرى مصاديقه (١).
ثم الماء الغدق المادي وبركاتها ، هو جزاء المستقيمين من جهة ، وفتنة لهم من أخرى ، وكما جعلت غاية للإسقاء : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فالمستقيم في الفتنة ، الذي لا تغريه بركات الدنيا ومغرياتها ولا تنسيه وتعرضه عن ذكر الله ، هذا المستقيم تزداده الفتنة رحمة وايمانا ، وقليل ما هم الصامدون على الاستقامة في الترف والترح ، ولذلك لا يعم الله سعة الأرزاق للمستقيمين اجمع ، فأكثرها لمن يستقيم ، ثم بجانبهم المعرضون عن ذكر الله الذين يبدلون نعمة الله كفرا ويحلّون قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ، هؤلاء الذين حياتهم هي الغفلة ويعيشون التخلفات ، فالماء الغدق والبركات تصبح لهم دركات وتسلكهم عذابا صعدا (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) ينفذه عذابا صعبا.
من المؤمنين غير المستقيمين في الايمان ، والمستقيمين ما داموا فقراء فإذا سقوا ماء غدقا بغوا ونسوا الله ، ومن القاسطين المستقيمين في القسط والبغي ، هؤلاء شركاء في سلك العذاب الصعد نتيجة الإعراض عن ذكر ربهم ، كل على قدره ـ أعاذنا الله منه ـ فهم في العذاب الصعد فقراء وأغنياء ، رؤساء ومرءوسين ، وليس املاؤهم في أعمارهم وإمدادهم بأموال وبنين خيرا لأنفسهم :
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٣٩ عنه (ع) معناه : لأفدناهم علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة.