(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣ : ١٧٨) فإملاء المؤمن المستقيم هو لازدياد الايمان ، ثم هو لغيره لازدياد الإثم فالعذاب الأليم ، فحياته ومعيشته ضنك أينما حل : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤) مهما لم يحس أم لم يبرز ضنك المعيشة في الدنيا ، ولكنها في الآخرة محسوسة بارزة.
إن الحياة الدنيا كلها بكافة حالاتها ووجهاتها فتنة ، فمنها خير ومنها شر : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٢١ : ٣٥) ففتنة الخير تقدم الإنسان نحو الأكمل فالأكمل في الخير : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦ : ١١٠) وفتنة الشر تدفعه نحو الأشر : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (٢٠ : ١٣١).
فالمؤمن المستقيم يفتن بالماء الغدق والبركات ليزداد ايمانا ، وسواه يفتن بها أحيانا وبسواها أخرى ليزداد إثما وله عذاب أليم ، ويا لفتنة المؤمن بالبركات صعوبة صعدا ، ثم تكون له ولمن معه رحمة.
فالابتلاء بالنعمة بحاجة ملمة ملحة الى يقظة مستمرة تعصم من شر الفتنة ، فنعمة المال كثيرا ما تقود الى فتنة البطر والإعراض عن ذكر الله ، ونعمة القوة كثيرا ما تقود الى فتنة الطغيان والعصيان على الخلق والخالق ، والتهجم على الحرمات والتجهم على بركاته ، ونعمة الجمال كثيرا ما تقود الى فتنة الخيلاء ، ونعمة الذكاء كثيرا ما تقود الى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين ، فلا تكاد تخلو نعمة من الفتنة السوء إلا من استقام فذكره الله فعصمه الله.
وكل ذلك بخلاف فتنة النعمة وابتلائها ، الممتحن بها كثير من المؤمنين المستقيمين ، فهي أخف من ابتلاء النقمة بكثير.