والعذاب الصعد الصاعد في الصعوبة لحدّ كأنه نفس الصعوبة والصعد ، انه يخص المعرضين عن ذكر الرب ، لا المؤمنين المستقيمين الذين يتلهون أحيانا بالبركات والماء الغدق ، ما لم يصل الالتهاء الى الإعراض عن الله ، ولا سمح الله ، وكرامة الايمان ـ أيا كان ـ تمنع عن دركات الإعراض والعذاب الصعد ، والله من وراء القصد.
يختص الماء الغدق هنا من بين البركات لأنه أصل البركات ، فاوّل أسبابها توافر الماء ، فما تزال الحياة تجري على خطوات الماء ، وما يزال الرخاء يتبع خطوات الماء حتى هذا العصر الذي انتشرت فيه الصناعة ، فالماء له اهميته الحيوية والعمرانية عبر الحياة في عصورها.
ثم الارتباط بين حياة الاستقامة والرخاء حقيقة ملموسة لا تنكر ، وإذا كانت هناك أمم غير مستقيمة على طريقة الله ثم تنال الوفر فانها معذبة بآفات وعاهات أخرى هي أشد من الفقر ، آفات في أمنيتها وأمنيتها ، في انسانيتها وقيمها وكرامتها ، التي تسلب عن ذلك الغنى والوفر حقيقة الرخاء ، وتحيل الحياة فيها لعنة مشؤومة على كافة معاني الإنسانية ومثلها ، كما أسلفناه في سورة نوح.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) عطف على الآية السابقة ، المعطوفة على (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ..) فما هي المساجد هنا ، التي لا يدعى بها أو فيها مع الله أحد؟
المساجد جمع المسجد والمسجد والمسجد : ان تكون على الترتيب مصدرا ميميا بمعنى السجدة ، واسم آلة هي آلة وذريعة السجدة وسببها المؤول الى الأدلّاء على الله والهادين الى مرضاة الله وعبادته ، واسم مكان وهو ما يسجد فيه : محال العبادة وما يسجد عليه : محال السجدة من الجبهة وما يسجد به من مواضع السجدة واسم زمان : «المسجد والمسجد» : زمان السجدة ، فهي كلها لله ، والمساجد هنا في كلام الله تتحمل هذه كلها.