ف (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) : أيا كانت الرؤية ومن أي كانت ، (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟ تأكدا وتثبتا ، في رجوع نافذ ناقد أعمق من النظرة الأولى ، عله فاتك شيء فلتجده هنا ، هل ترى من فطور : من فروج وشقوق وفتوق وخروق؟.
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) : بغية الإحاطة على ما عله خفي عنك من فطور ، أو رجاء الإحاطة على خفيات الكون الغامضة : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) مبعدا مصغرا ذليلا كليلا عما يهواه (وَهُوَ حَسِيرٌ) : ذليل أسير كليل أن يتعاطى نقدا ، أو تحيط علما!
إن الأنظار المتجهة إلى الكون ، كلما تغرق في يمه المتلاطم ، حائرة ، لا يزداد أصحابها في سبرهم غوره إلا حيرة وبهرا ، يذعنون أنهم خاسئون يجنب هذه العظمة الباهرة ، وإذا عميت عليها حكمة فيه ، كما في الكثير منه ، فالناظر المنصف لا يتسرع بالنقد ، لما يعلمه بإتقان أن صانعه أعلم منه وأحكم مهما تسرّع الجاهلون الملحدون والمتسامحون عن عقولهم وعن فطرهم وضمائرهم.
وقد تكون النظرة الأولى ، المأمور بها هنا ، النظرة البصرية الميسورة لكل واحد ، والثانية النظرة العقلية على ضوء الفلسفات العقلية والعلوم التجريبية ، والثالثة هي النظرة في ملكوت السماوات والأرض ، في حقيقة كيانها ، وأصل كونها ، وكيفية تكونها وتعلقها في ذواتها بالرحمان ، سواء أكانت النظرة من بعيد ، أو وأحرى من قريب على ضوء غزو الفضاء: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (٧ : ١٨٥) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٥٠ : ٦).
هذه نظرات ثلاث أمرنا بها هل نرى من فطور ، ولو كان كياننا كله نظرا