والمستقبلة ، كلّ حسب منزلته الرسالية فان الرسل درجات (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) فمراحل الوحي هذه من إظهار الغيب علميا.
وقد يكون تغليبا على الغيب عمليا ، علمه الرسول أم لم يعلمه ، كسائر المعجزات ، فمنها ما يظهر الله عليه رسوله علما بما فيه وعمل الواقع كمعجزة القرآن ، تجري على لسانه ، ويعيها قلبه ، ويطبقها بأركانه ، ومنها ما لا ينال الرسول إلا عمله ، فلا يملك علمه وحقيقته ، كإحياء الموتى وقلب العصا حية تسعى ، فإنهما من الغيب الخاص بالله ، يظهر عليه البعض من رسله عملا للتدليل على رسالتهم الإلهية ، فمعجزاتهم هي أفعال الله تجري بهم حجة لهم ، فمنهم من يعلمها كما يفعلها كإبراهيم (.. رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ..) إذ طلب من ربه أن يريه ويظهره على حقيقة إحياء الموتى ، ومنهم من لا يعلمها كما نفصله في آيات المعجزات ومنها (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (١٠ : ٢٠) تعني أن الآيات المعجزة هي من غيب الله ، لا تعدوه إلى سواه ، والرسل لا يملكون إلا إظهارها بإذن الله ، دون علمها إلا من أراه الله كإحياء الموتى لإبراهيم وكالقرآن لمحمد (ص).
فعلم الغيب مبدئيا خاص بالله ، والآيات التي تحصره بالله تعني العلم الذاتي بالغيب فلا تنافي علم من ارتضى من رسول ، فانه أيضا من علمه لا منهم كبشر ، وآية الإظهار هذه تغنينا من القيل والقال ، وتريحنا عن تفتيش الأقوال ونقدها ، فالتي تختص علم الغيب بالله إطلاقا ، هي بين ما تعني العلم الذاتي (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (٦ : ٥٩) وقد يعلّم البعض منها من ارتضى من رسول (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) (٣ : ١٧٩).
وبين ما تعني مطلق العلم بالغيب ذاتيا وعرضيا و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ... يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي