نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٨٨) (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣١ : ٣٤).
فالغيب الواجب إظهاره للرسل هو المعجزات والشريعة ، وقد يخبرهم بمغيبات أخرى تؤيدهم في رسالاتهم ، وأما التي لا تمت بصلة للرسالة الإلهية ، وهي من شؤون الإلهية ، فلا يجب اظهار الرسل عليها ، وهي خاصة بالله تعالى ، وهي المعنية بالآيات التي تختصها بالله : (.. وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ... إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) (٦ : ٥٠) والوحي كما نعلم من علم الغيب الواجب إظهاره للرسل ، لأنه كيان الرسالة.
من هنا وهناك نستوحى ان ليس الغيب الإلهي مبذولا للرسل دون حدّ ، وإنما هو الغيب الكافل لحجة الرسالة وبلاغها ، وكما تفيده آية الإظهار : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ..) فهو يظهر الغيب الداخل في شؤون الرسالة ، لا الخاص بشأن الألوهية ، وكما كان غير المرسلين محرومين من غيب الوحي كذلك المرسلون محرومون من غيب الربوبية ، وكما هم وسط بين الخلق والخالق في الرسالة ، كذلك هم وسط في علم الغيب.
فالرسل الذين يرتضيهم الله لتبليغ دعوته ، يطلعهم على جانب من غيبه ، ما يتعلق بموضوع رسالتهم ، دون المتعلق بشأن الربوبية ، إنما ما هو حجة بالغة لرسالاتهم ، وما هو المقصود منها من شرائعهم ، وآيات الغيب ترمي الى هذا الاختصاص المبدئي بالله ، والتعميم العرضي للرسل في حدود رسالاتهم ، ما يعاونهم على تبليغ دعوته ، يكشفه لهم منذ الرسالة وطوال الدعوة ، وهو مع ذلك يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا :