(فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فان الله يسلك : ينفذ ـ من بين يديه : يدي الغيب والمرسل إليه بالغيب ، ومن خلفه ، ينفذ من هنا وهناك : رصدا ليعلم : هنا النص يوحي كيف يتنزل الغيب بالوحي على الرسل المرضيين ، من البداية وحتى النهاية وهي إبلاغ الرسل غيب الوحي للمرسل إليهم :
فبما أن الرسل بشر وأن الشيطان يلقي في امنياتهم ، فهم بحاجة الى حفظ وعصمة إلهية في تلقي الوحي وإلقائه وتنفيذه من عدة جهات (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) (٣٢ : ٥٢) كما وان (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (١٣ : ١١).
فالله تعالى ينفذ الوحي الغيب إلى من ارتضى من رسول ، وينفذ من بين يديه ـ قبل وصوله الى أن يوصل ـ رصدا : رقباء يحفظونه من خلط ودس الشياطين ، وليبلغ الى الرسل سليما ، وينفذ من خلفه : بعد البلوغ والبلاغ أيضا ، رصدا ليسدوا عن الرسول إلقاءات الشيطان ، وليراقبوه في إبلاغ الرسالة وتنفيذها : ازدواجية العصمة للرسل المرضيين من جهتين : الرسل الرصد من بين يدي الرسول ومن خلفه ، وروح العصمة التي ترصد الرسل في دواخل ذواتهم ، ارصادا من الداخل والخارج لكي يصل الوحي الغيب الى الهدف الأخير : اقامة المرسل إليهم على الهدى ، دون تدخل للشيطان ، ودون تخبط وخلط وشبهة في هذه السبيل ، وبذلك ليس للشيطان سبيل على الرسل على طول الخط في تلقي الوحي والقائه وتنفيذه ، فتمني الرسل ليس الا تنفيذ الرسالة الإلهية ، وإلقاء الشيطان في امنية الرسل ـ كما تقول الآية ـ ليس إلا في واقع التنفيذ ، ان الشيطان يخلط الرسالة على المرسل إليهم ، والله ينسخ هذه الإلقاءات ويحكم آياته واقعا كما أحكمها في وحيها الى حملة الرسالات : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فالمرسلون المرتضون