ليسوا من الغاوين حتى يلقي الشيطان في قلوبهم وأفكارهم ووحيهم ، وهو اشرّ السلطان والغواية الكبرى! وهم من عباد الله المخلصين ، فيلغى شمول آية الإلقاء عن ساحة المرسلين ، الى المرسل إليهم ، والله ينسخ عنهم أيضا إلقاءات الشيطان ثم يحكم آياته.
كل ذلك علامة لمن لا يعلم : أن قد أبلغوا رسالات ربهم (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) :
ليعلم الله ، من العلم بمعنى العلامة ، لا العلم ، فانه يعلم السر وأخفى! : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فهو إذ يحيط بما لدي الرصد والرسل ، وإذ يحصي كل شيء عددا ، إذا كيف تكون الغاية من سلك الرصد أن يعلم الله سبحانه؟ أعن جهل وهو المحيط المحصي؟ كلا! انه علم وليس علما ، انه تعالى يجعل الرصد على طول الخط في بلاغ وتنفيذ الوحي ، ويجعلهم علامة لهم ولملك الوحي ، وللتبين (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ).
وكما ليس (لِيَعْلَمَ) من العلم ، كذلك لا يرجع ضميره الى الرصد فإنهم جمع وهو مفرد ، ولا الى محمد صلّى الله عليه وآله وسلم إذ لم يسبق له ذكر (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وهو جمع يعم الرسل أجمع ، ولأن وحدة السياق تحكم أن صاحب الضمير في الأحوال الثلاث «يعلم ـ أحاط ـ أحصى» واحد ، وهو الله الذي أحاط بما لدى الرسل وأحصى كل شيء عددا.
فهو الذي يسلك بين يدي الغيب والرسول ومن خلفه ، رصدا مراقبين ، ليجعل هذه الرقابة الشديدة على غيب الوحي علامة : ان قد أبلغوا رسالات ربهم : حال أنه أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ، فليس هو بحاجة إلى علامة البلاغ ، وإنما رسله الملائكة والبشر وكذلك المرسل إليهم.
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) : يعلم غاية لسلك الرصد ، و (أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) يلمح لحدود الغيب الإلهي الذي يظهر عليه رسله ، انه ليس إلا للبلاغ ، بلاغ الرسالة بغيب المعجزات ، وبلاغ الرسالات بغيب