السبح الطويل نهارا ، والقيام الأول لتهيؤ الثاني : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ، إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) فليعش الرسول الأقدس حياته قياما دون فتور ، وسبحا في بحر المجتمع المتلاطم ، لينجّي الغرقى فانه سفينة النجاة.
يوحي النص (الْمُزَّمِّلُ) بأنه كان متزملا حين الأمر ، ولماذا؟ وفي رمضاء الحجاز!لا بد وأنه من وطأة وفجأة ، أوطأة الوحي الثقيل الذي بزغ له قبل قليل؟ كما قيل (١) أم الحملة العنيفة السافرة في وجهه من صناديد قريش؟ (٢) كما توحي له آيات من السورة : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ... ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) فتزمل من رعشة الوطئة ، فأمر بالقيامين في المزمل والمدثر ، قياما لتنفيذ الرسالة ومجابهة عراقيلها ، دون أن يتزمل ويتدثر.
(قُمِ) إنه لا يناسبك التزمل والتدثر ، فليكن دثارك القيام وزميلك الإقدام ليلك ونهارك ، (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) قدر الضرورة الذي يساعدك في قيامك ، فليكن مبدؤك القيام حتى في أوقات المنام رغم أن الناس نيام.
أنت تتلفف بثوب لتنام دفعا لهمّ الإيذاء ، وغم الاستهزاء ، وتخفيفا من وقعة
__________________
(١) أدركته رجفة الوحي حتى جثى وهوى الى الأرض وانطلق الى اهله يرجف يقول «زملوني. دثروني» ففعلوا وظل يرتجف مما به من الروع وإذا جبرائيل يناديه «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ».
(٢) الدر المنثور ٦ : ٢٧٦ ـ اخرج البزار والطبراني في الأوسط وابو نعيم في الدلائل عن جابر قال اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما تصدر الناس عنه فقالوا : كاهن ـ قالوا ليس بكاهن ، قالوا : مجنون ـ قالوا : ليس بمجنون ـ قالوا : ساحر ـ قالوا : ليس بساحر ـ قالوا : يفرق بين الحبيب وحبيبه فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي (ص) فتزمل في ثيابه وتدثر فيها فأتاه جبرائيل فقال :«يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ».
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٤)