أقول : وهذا من مقربات الفهم ومجذبات الإتباع ، فقد فرق الله القرآن طوال البعثة دون أن ينزله جملة واحدة ، ليثبت به فؤاد الرسول وليقرأه على الناس على مكث ، ورتله عليه بتسهيل التعبير والمعنى ليرتله هو أيضا ترتيلا ، وهو يعم اللفظ والمعنى تعبيرا وأداء وسبكا وكيفية (١) ، كل ذلك لسهولة الإلقاء والتلقي متحللا عن كافة الصعوبات هنا وهناك ، وهذا هو معنى الإعجاز في فصاحة التعبير وبلاغة المعنى ، فليس التشابه في بعض الآيات من قصور الدلالة ، وإنما من قصور المستدل ونبوغ المعنى ، وعلى حد تعبير الامام الرضا عليه السلام المتشابه ما اشتبه علمه على جاهله.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) فما هذا القول الثقيل الذي سيلقى عليه ، ولكي يتلقاه عليه أن يقوم لياليه مصليا مرتلا للقرآن؟.
هل هو القرآن ولو بعضا منه؟ وقد نزل عليه بعضه وأمر بترتيله! أم هو البعض الباقي : أكثره؟ فما هو الفرق بين قليله وكثيره ، وكله ثقيل بأي معنى قيل! أم هو القرآن المحكم النازل عليه ليلة القدر ، بين هذه السورة وبينها أقل من شهرين؟ علّه هو ، إضافة إلى باقي القرآن المفصل ، ففي القرآن المحكم النازل عليه دفعة واحدة ، الملقى عليه ليلة القدر ، ان فيه ثقلا ليس في مفصله النازل عليه نجوما طوال البعثة ، ثم يتلوه ثقل الباقي من مفصله وهو أكثره ، وفي وحدة القول هنا «قولا» وانه يلقى «سنلقي» شاهد لفظي على أنه القرآن المحكم ، إضافة إلى القرينة المعنوية المسبقة.
__________________
(١). وعن الامام الصادق (ع) ان الترتيل هو ان تتمكث فيه وتحسن به صوتك ، وفي الدر المنثور ٦ : ٢٧٧ عن النبي (ص) قال : يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلتك عند آخر آية تقرؤها وفيه سئل (ص) اي الناس احسن قراءة؟ قال : الذي إذا سمعته يقرأ رأيت انه يخشى الله.