زد على نصف القيام ، فنصيب النقص ليس إلا قليلا ، ونصيب الزيادة لا حد له إلا قدر المستطاع.
فطالما الليل سكن ونوم للناس لاستراحة البدن ، ولكنه قيام لرسول الله إلى الناس ليشد وطأه ويقيم قيله ، تأزيرا لقوة القلب والروح ، وتقويما لنطق اللسان.
فعلى رسول الله قيام الليل قدر المستطاع ، كله أحيانا وأكثره أخرى ونصفه أحيانا وينقص منه قليلا أخرى ، ولكنما الزيادة على النصف قدر المستطاع هو المرغوب الأصل (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ).
فأكثر الواجب إذا قيامه ثلثي الليل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) كما ويؤيده (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) فليكن الواجب مخيرا بين ثلثيه ونصفه وثلثه فأقله ثلث الليل (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) فنقص القليل من النصف ثلث النصف ، فيبقى ثلث الليل (١).
(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) ولماذا ثلثا الليل ، ولماذا الزيادة على النصف والنصف أيضا ، ألصلاة الليل ولا تشغل إلا سويعات؟ كلا ـ وإنما الزيادة لترتيل القرآن ، تخلقا بأخلاق الله في تنزيله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٧ : ١٠٦) وفي ترتيله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٢٥ : ٣٢).
وترتيل القرآن هو إرساله بسهولة واستقامة ، سهل التعبير ، مستقيم المعنى وكما يروى عن النبي (ص) إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا وبينه تبيينا ، لا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة (٢).
__________________
(١) نفرض ان الليل ١٢ ساعة فنصفه ٦ ساعات فإذا نقص منها ساعتان يبقى أربع ساعات وهي نصف الليل المفروض.
(٢) الدر المنثور ٦ : ٢٧٧ أخرجه الديلمي عن ابن عباس مرفوعا عنه (ص). وأخرجه العسكري في المواعظ عن علي (ع) عنه (ص).