(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ).
لقد خيّر الرسول الأقدس في ظاهر الوحي الأوّل بين هذه الثلاث فرضا واجبا ولمّح فيه إلى ثلثي الليل كأنه الرابعة والمفضلة على الثلاثة ، وكأنه من أطراف الواجب وليس منه : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً. نِصْفَهُ ...) فلم يقل ونصفه وإنما (نِصْفَهُ) كأنه الليل إلا قليلا (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً :) ثلثه (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) : على النصف ، بينه وبين الثلثين ، ولقد استمر الرسول بين الآيتين عشر سنين بقيامه : (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) دون ثلثيه إلا قليلا ، فلم يترك واجبه التخييري ، وإنما لم يستمر في ثلثيه ولم يكن من أطراف الواجب أو كان ولم يكن مؤكدا ، بدليل عدم اداة التخيير بينه وبين الثلاثة الأخرى «أو».
ولأنه تعالى كان يعلم واقع اختياره (ص) كما يسعه (أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) لذلك لم يفرض عليه ثلثيه لكي لا يذنب بتركه ، أو لا يكون تاركا للأرجح من أطراف الواجب التخييري ، ولقد كانت صلاة الليل فريضة عليه دون المؤمنين ، أو انها قيام الليل الشامل لصلاته ، يدل على ذلك كونه نافلة له : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) وليست النافلة هنا هي الزائدة على فرض الأمة ، فقد أمر بالتهجد هنا أمرا خاصا ، ثم عدم إحصاء طائفة من الذين معه (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) دليل ثان أن قيام الليل هكذا لم يكن واجبا على الأمة ، فكيف يفرض عليهم ما لن يحصوا أوقاته؟ (فَتابَ عَلَيْكُمْ) : تاب عليهم في فرضه فلم يفرضه عليهم ، فلم تكن التوبة عليهم عن عصيان في ترك الواجب ، وإنما عن فرضه عليهم ، فقد (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) وهذا قصور ذاتي يمنع عن هكذا تكليف ، ثم قصور احياني :
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ