قيام الليل صعبا عليهم لهذه الأعذار ولو عفي عن التقادير المعينة الثلاثة فيه ، فأبدل لهم به قراءة ما تيسّر من القرآن.
وأما الرسول (ص) فبما أنه كان يحصي الليل ، ولذلك فرض عليه القيام المسبق ، فهو لا يعفى له عن قيامه ، وعليه تحمل العبء في قيامه ، وفي هذه الأعذار التي تعفي سائر المؤمنين عن فرض القيام ، ولأنه يحمل القول الثقيل والسبح الطويل ، فعليه ما ليس على غيره من التكليف الثقيل ، وليأخذ زاده وأهبته في هذا الطريق الشاق الطويل بعمره القليل القليل.
فقيام الليل ـ بصلاته وذكره ودعائه واحيائه ـ من المندوب اليه للمسلمين كأنه فرض ، وفرض على الرسول الأقدس (ص) وإنما عفي له عن ثلثيه وما زاد ، وعفي للذين معه عن فرضه إطلاقا ولكنه يداني الفرض.
وبما أن قراءة ما تيسر من القرآن ليست خارجة عن المستطاع ، ولا أن شيئا من الأعذار المسبقة تنافيها ، فلنا أن نثبت على ظاهر الأمرين فيها ونستوحي الوجوب ، ليلا قدر المستطاع ـ ف (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) ونهارا قدر الميسور ، فلنعش القرآن قراءة وتلاوة وتفهما وتذكرا وتصديقا وتطبيقا ونشرا وسماعا وإسماعا ، وهكذا يجب أن يكون الذين مع هذا الرسول ، وليسبحوا معه نهار الدعوة سبحا طويلا في بحر المجتمع المتلاطم ، فينجوا وينجوا الغرقى الهلكى ، فالقرآن بمن يحمله سفينة النجاة.
لقد ذكرت قراءة ما تيسر من القرآن هنا مرتين ، مرة بعد ذكرى القصور الذاتي عن القيام الثلاثي الليلي : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) فنيابة القراءة عن القيام ليلا ، لا تكون إلا ليلا ، وأخرى بعد ذكرى الأعذار المتعبة للقيام : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى ... فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) وعلها تخص النهار أو تعمه والليل ، فان هذه الأعذار تمانع قيام الليل بصلاة أو قراءة ، على الأكثر : فلا تكرار في الأمر بالقراءة هنا ، ثم يتلو