والعاص بن وائل والوليد بن مغيرة الذي تسميه الآيات الآتية وحيدا ، وانتهى دور التكذيب اليه بما نقلته الآيات ، فلما سمع رسول الله (ص) ذلك اشتد عليه ورجع إلى بيته محزونا فتدثر بثوبه فأنزل الله السورة.
فهذه دثر ثلاثة تتحملها الآيات : دثاره قبل البعثة ، ودثاره بداية الوحي من رعشته ، ودثاره إثر هذه الهجمات ، والرسول يؤمر في هذه الدثر الثلاثة أن يقوم بالإنذار مهما كان الدثار ، قياما يستصغر فيه كل دوافع القعود وعراقيل الإنذار :
«قم» فلقد مضى وقت القعود والدثار ، وحان زمن القيام والإنذار «قم» لله قانتا بين الجموع المحتشدة الفالتة عن ذكر الله وطاعته (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢ : ٢٢٨) وأقم الدين (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (٤٢ : ١٣) وأقم الوزن أيا كان (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (٥٥ : ٩) (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) (١١ : ١١٤) فانها عمود الدين ، قم وأقم واستقم (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (٤٢ : ١٥).
(فَأَنْذِرْ) وليكن الإنذار بداية القيام ، فانه ينفع قوما لدّا ، فان التبشير هو بعد الإنذار ، بعد ما تلين القلوب للايمان وتتقي : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٧) (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) (٢٨ : ٤٦) فمن تأثر بالإنذار فهو المنذر المبشر (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) (٣٥ : ١٨) (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (٣٦ : ١١).
فلئن أثر الإنذار كان بعده ومعه التبشير ، وإلا فلما ذا التبشير؟ والإنذار هو اظهر ما في الرسالات الإلهية ، تنبيها للخطر القريب الذي يرصد الغافلين الشاردين السادرين في الضلال ، علهم يخافون العذاب الأليم ، ومن ثم البشارة باللطف والعطف العميم.
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) إن الفاء هنا توحي بشرطية مقدرة : إن كان هو ربك