فكبره فلزام الإيمان بربوبيته تكبيره كما يلائمها ، وليس تكبيره فقط قول : الله أكبر فكثير هؤلاء الذين يقولونه ولا يكبرون الرب في عقول مصغريه المشركين به ولا في أعمالهم أنفسهم ، فتكبير الرب غير التكبير لفظيا للرب ، وإن كان يشمله قول «الله أكبر» كما يروى عنه (ص) (١).
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) ربك وحده ، فهو وحده الكبير المتعال الذي يستحق التكبير دون سواه ، يوحي بهذا الانحصار تقديم المفعول (رَبَّكَ) على فعله كبر فكل شيء بجنب الله صغير ، والله وحده هو الكبير ، وكل صغير يكبر عرضيا بالتكبير ، والله هو ذاته كبير ، وإنما الأمر بالتكبير يعني تعظيمه عند الجاهلين به أو المعاندين والناكرين له ، تكبيرا في عقولهم ، بيانا للواقع ، لا تكبيرا لواقعه ، وليستعد الرسول خوضه في هذه المعركة تصغيرا لكل كيد وكل حول وقوة وكل معاكسة وكل عقبة وعرقلة ، تكريسا لكافة الطاقات العقلية والمنطقية وسواها ، وليعلم الجاهلون بالله والمتجاهلون ، ان الله هو الكبير المتعال ـ ف (لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١٧ : ١١١) : تكبيرا يليق بساحته ، ويصغر كل من سواه بجنبه ، تكبيرا في عقولهم وضمائرهم وفطرهم وفكرهم وواقع كيانهم في تفكيرهم وتصرفاتهم ، ولكي يرى ويلمس أنه الكبير المتعال في خلقه فيعيشوا ذللا بجنبه وفي طاعته : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (١٣ : ٩) المتعالي عن أن يكبر عن صغر ، أو يتكبر عليه أحد ينازعه في ملكه ، أو يستقل عنه أحد في كيانه ـ ف (هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٨١ ـ اخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قلنا يا رسول الله (ص) كيف نقول إذا دخلنا في الصلاة ، فانزل الله (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) فأمرنا رسول الله (ص) ان نفتتح الصلاة بالتكبير ـ أقول هذا هو النزول الثاني للآية ، فانها نزلت أولا بداية الوحي قبل الصلاة وقبل أبي هريرة ، وليس هذا الا من تطبيق الآية على ادنى مراحل التكبير.