في بداية الوحي وبزوغ الرسالة بالإنذار وتكبير الرب بجناحي طهارة الثياب وهجر الرجز : تحلية بالمكارم ، وتزكية عن المحارم ، وليطمئن إلى الله متخلقا بأخلاق الله ، ويطمئن الناس إلى الله ، هاجرا كل رجز واضطراب في عقيدة ، أو عمل ، في دعوة أو عبادة ، ولذلك تسمى الأوثان رجزا ورجسا ، كما يسمى العذاب المهين ـ المسبب عن عبادتها ـ رجزا : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (٣٤ : ٥).
ذلك! وإن كان الرسول (ص) عاش متطهرا هاجرا الرجز منذ ولادته إذ عافت فطرته السليمة كل انحراف وانجراف ، بما كان يسلكه ملك عظيم من ملائكة الله سبيل المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، على حدّ قول الامام علي عليه السلام فكان يهجر المعتقدات الشوهاء والسبل الشائكة ، ورجز الأخلاق والعادات ، فلم يعرف عنه ولم ينسب اليه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية ، ولكنما هذا التوجيه يعني ـ فيما يعنيه ـ إعلان المفاصلة والتمييز الذي لا هوادة فيه ولا مسايرة ، ويعني المداومة والمزيد من الطهارة وهجر الرجز منذ الدعوة بالعصمة الإلهية ، إضافة إلى ما يسعاه قبلها وبعدها ، لا انه كان عليه رجز ، فأمر بهجرها ، فما أكثر الحالات التي هو لابسها ويأمره الله بها ، إعلانا عالميا في إذاعة قرآنية أنه مؤمّر مطيع فلا يطمع فيه طامع للمهادنة والمسايرة ، وما أكثر المزريات التي عافتها فطرته السليمة ـ منذ كان حتى قبض ـ فينهاه الله عنها بهذا الدافع وأشباهه ، وليعلم العالمون أنه رسول مؤمر ، لا يستقل في حسناته وعبقرياته عن ربه إلى نفسه وإن كانت نفسية قدسية! فالقرآن ـ بجانب ما يذكره من مكارم الرسول ـ ينبهنا أنه رسول ، لا يملك لنفسه بجنب ربه ضرا ولا نفعا (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ).
من ثم وبعد نكران الرجز وهجره ، يوجه إلى نكران ذاته ، وعدم المن في معطياته ، كأن لم يعط شيئا ، رغم تقديمه وبذله الكثير الكثير ، وجهده وعنائه العسير العسير في هذه السبيل الشاقة الملتوية :